خطبة الجمعة 30 أكتوبر 2020م : النبي القدوة معلما ومربيا ، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة القادمة 30 أكتوبر 2020م : النبي صلى الله عليه وسلم القدوة معلما ومربيا ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ: 13 من ربيع الأول 1442هـ – 30 أكتوبر 2020م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 أكتوبر 2020م ، للدكتور خالد بدير : النبي صلى الله عليه وسلم القدوة معلما ومربيا :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 أكتوبر 2020م ، للدكتور خالد بدير : النبي صلى الله عليه وسلم القدوة معلما ومربيا ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 أكتوبر 2020م ، للدكتور خالد بدير : النبي صلى الله عليه وسلم القدوة معلما ومربيا ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 30 أكتوبر 2020م ، للدكتور خالد بدير : النبي صلى الله عليه وسلم القدوة معلما ومربيا : كما يلي:
العنصر الأول: النبي صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة
العنصر الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم مربيا ومعلما ( صور مشرقة )
العنصر الثالث: صور مشرقة من تأسي الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم
العنصر الرابع: وجوب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا العملية
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 30 أكتوبر 2020م ، للدكتور خالد بدير : النبي صلى الله عليه وسلم القدوة معلما ومربيا : كما يلي:
المـــوضــــــــــوع
الحمد لله القائل في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ } (الأحزاب: 21). وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
عباد الله: إن القدوة والأسوة في الدعوة والعبادة والأخلاق والتربية هي أفعل الوسائل جميعًا، وأقربها إلى النجاح، وإن مبادئ الإسلام تحظى بالقبول حينما يمتثلها الداعي قبل المدعويين، وقد كان صلى الله عليه وسلم صورةً حيةً لتعاليم الإسلام السامية في كل شيء، رأَى الناس فيه الإسلام رأْيَ العين، فهو أعظم قدوة وأسوة في تاريخ البشرية كلها، ولقد تحركت نفوس الناس بقدر وسعها نحو التطبيق والعمل، يقتبسون من نوره ويتعلمون من آدابه. يقول الإمام ابن حزم: “من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسنِ الأخلاق كلها، واستحقاقَ الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه “. ( الأخلاق والسير ). فهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة والمعلم والمربي الحكيم، وهو إمام الدعاة الذي أمر الله ربنا أن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وأخلاقنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا وفي جميع أمور حياتنا، قال تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }. [يوسف: 108].
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرَ قدوة للأمة في تطبيق هذا الدين؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } (الأحزاب: 21) ؛ وهذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الناس بالتأسي به صلى الله عليه وسلم؛ فكان إذا أمرَ بشيءٍ أو نادى به فعله أولاً قبل الناس، ليتأسوا به ويعملوا كما عمل، وفي السيرة النبوية شواهد على ذلك كثيرة، منها:
أنه لما تم صلح الحديبية بين المسلمين؛ وقريش ونصوا في بنودها أن يرجع المسلمون هذا العام بلا أداء العمرة ويعودوا في العام القادم، أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه أن ينحروا الهدي ويتحللوا من إحرامهم فقال: “قوموا فانحروا ثم احلقوا” ؛ فتكاسل الصحابة حيث إن الشروط كانت جائرةً على المسلمين، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على السيدة أم سلمة مغضبًا، وأخبرها بتخلف الناس عن أمره، فأشارت عليه صلى الله عليه وسلم بأن يُسرع في التنفيذ أمامهم، فقام صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه، ونحر هديه، وتسابق الصحابة في التطبيق حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا من شدة الزحام !!
ومن أبرز الأمثلة في السيرة النبوية الشريفة أيضًا على كونه- صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ بنفسه قبل الناس ليقتدي الناس به، موقفه في بناء المسجد؛ حيث كان يشارك الصحابة في الحفر ونقل التراب، ورفع البناء، وكانوا يرتكزون أثناء عملهم بقولهم:
لئن قعدنا والرسول يعملُ……………… لذاك منا العمل المضللُ
كما شاركهم في حفر الخندق حول المدينة، عندما سمع بقدوم الأحزاب لاستئصال شأفة المسلمين في المدينة، وكان له قسم مثلهم يباشر الحفر معهم بيده، ويحمل التراب على كتفه، وإذا استعصت عليهم مشكلة سارعوا إليه يلتمسون منه حلاًّ لها بمعوله، فكان هذا كله دافعًا للصحابة على العمل، ومقويًّا لهممهم وعزائمهم، فلم يكسلوا أو يتوانوا؛ حيث يرون قائدهم معهم في خندقٍ واحد، يعمل كما يعملون، ويأكل مما يأكلون، وينام على مثل ما ينامون، وما زادهم ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا.
أحبتي في الله: لقد كان صلى الله عليه وسلم مثالًا وقدوة في التربية والتعليم والتوجيه ولا سيما مع المخطئين:
فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ أعرَابِّيٌ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ” دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ “. (البخاري).
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : ” إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ . مَهْ . فَقَالَ : ادْنُهْ ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا . قَالَ : فَجَلَسَ قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ . قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ” .( أحمد والطبراني والبيهقي).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : ” إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ” ( مسلم ) .
ولقد امتدت القدوة والأسوة في التربية والتعليم والتوجيه في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- لتشمل الأطفال والصبيان، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمر بعمل كان يفعله أولاً، ثم يطلب من الأطفال والصبيان أن يفعلوه كما لاحظوه، فقد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى طفلاً يسلخ شاة وما يحسن، فما كان منه -صلى الله عليه وسلم- إلا أن شمَّر عن ساعديه وبدأ بسلخ الشاة أمام الطفل؛ وراح الطفل يتأمل الكيفية ويُعمل عقله في ذلك، فقد أخرج ابن ماجة وابن حبان من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ مَرَّ بِغُلاَمٍ يَسْلُخُ شَاةً ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ “: تَنَحَّ ، حَتَّى أُرِيَكَ فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ ، فَدَحَسَ بِهَا ، حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبِطِ وَقَالَ : يَا غُلاَمُ هَكَذَا فَاسْلُخْ ثُمَّ مَضَى …”.
فعلينا أن نتأسى بهديه صلى الله عليه وسلم معلمًا ومربيًا ولا سيما في التعامل مع المخطئين ونفتح لهم باب التوبة والرجاء .
أيها المسلمون: تعالوا بنا لنعرض صوراً مشرقة لاقتداء وتأسي الصحابة بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء.
فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم صحابته إلى أن يقتدوا به في أقواله وأفعاله، ولا سيما في العبادات، فلم يُعِدّ مجلسا لشرح أركان الصلاة وسننها ومبطلاتها كما نفعل الآن، وإنما قال: ” صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي ” ( البخاري)، وفي الحج قال”خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ” ( مسلم والنسائي). ولما علم الرسول شدة اقتداء الصحابة به صلى الله عليه وسلم وخاصة في مناسك الحج خشي عليهم الازدحام والتقاتل في أداء المناسك فرفع عنهم الحرج؛ فعن جابر، قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم- :” قد نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر، ووقف بعرفة، فقال: قد وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف، ووقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت هاهنا، والمزدلفة كلها موقف” ( أبوداود ). تصورت هذا المشهد من ازدحام الناس عند جبل الرحمة في أرض عرفات وقلت: لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقفت ها هنا وهذا هو الموقف!! ونحرت ها هنا وهذا هو المنحر!! لتقاتل الناس وهلك الكثير ؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم كان رحيماً بأمته.
ولذلك كان عمر – رضي الله عنه- يقبل الحجر الأسود ويقول: والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ؛ ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك !! ( متفق عليه ).
وفي الصيام اتبعوه- صلى الله عليه وسلم- واقتدوا به في الوصال؛ فنهاهم رحمة ورأفة بهم وشفقة عليهم؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا ” ( البخاري ).
ولشدة اقتداء الصحابة به -صلى الله عليه وسلم- اتبعوه في خلع نعله أثناء الصلاة، مع أن هذا الأمر خاص به– لعارض- دون غيره. فقد أخرج أبو داود والحاكم والببهقي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ ، قَالَ: ” مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟ “، قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: ” إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ أَذًى فَمَنْ رَأَى – يَعْنِي – فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا .”
أختم هذه الصور والمواقف في شدة التأسي والاقتداء به – صلى الله عليه وسلم – بموقف رائع لسيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛ فقد روي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مر على طريق يوماً ثم نزل من فوق ظهر ناقته، وصلى ركعتين، فصنع ابن عمر ذلك إذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان..فَسُئل عن ذلك؟ فقال: رأيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك ففعلت!! بل إنه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة، قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها، ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائياً لتهيئ لنفسها مناخها؛ لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ ها المكان يوماً حتى يدور بناقته، ثم ينيخها، ثم يصلي ركعتين لله.. تماماً كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – !!!
أيها المسلمون: هذا غيض من فيض لصور اقتداء وتأسي الصحابة برسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جميع أقوال وأفعاله وأحواله ؛ فعلينا الاقتداء والتأسي به كما سيأتي مفصلاً في عنصرنا التالي إن شاء الله تعالى .
عباد الله: يجب علينا الاقتداء والتأسي بالرسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأنه خير قدوة لنا . قال ذو النون المصري: ” من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله– صلى الله عليه وسلم – في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه “.
ألا ما أحوجنا أن نرجع من جديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لنسير على دربه، وندافع عنه وعن سنته من كيد الكائدين وحقد الحاقدين؛ فوالله لا سعادة لنا ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا إذا عدنا من جديد إليه وسرنا على نفس الدرب الذي سار عليه، ورددنا مع السابقين الأولين الصادقين قولتهم الخالدة: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].وهو القائل الله صلى الله عليه وسلم: « تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». ( مسلم). والقائل أيضًا ” عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” ( أبو داود والترمذي وصححه).
عباد الله: إن الأسوة والقدوة علم وعمل ؛ فيجب على العالِم أو المربي أن يعمل بما يعلم أو يقول، حتى تؤتي القدوة ثمارها، وإلا كانت هباءً منثوراً لا وزن لها ولا تأثير. ولقد ذم الله هؤلاء بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ،كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ( الصف 2 ، 3). قال مالك بن دينار رحمه الله ” إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا” ويقول الشاطبي: ” إذا وقع القول بياناً فالفعل شاهد له ومصدق” .
إننا يجب أن نكون قدوة لأبنائنا وبناتنا ونسائنا وجميع أفراد مجتمعنا إذا كنا نريد أن نبني مجتمعاً فاضلاً مؤسساً على القيم والفضائل والأخلاق النبوية!! نحتاج جميعاً إلى تفعيل منظومة الأخلاق على أرض الواقع؛ وإلا فلا بناء لمجتمع كما قال أحدهم :
ومتى يبلغ البنيان يوما تمامه……. إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!!
كيف يحافظ الولد على الصلاة وأبوه لها من المهملين؟!كيف يخف لأداء صلاة الفجر مع الجماعة وأبوه عنها من المتكاسلين؟! متى يتعلم الصدق في القول والوفاء بالوعد، وهو يرى والده يكذب ويخلف؟! متى يعي حرمة الغش ووالده يغش في بيعه وشرائه ومعاملاته؟! ومن هذا الطالب الذي سيكرم جاره، ووالده وجاره متلاحيان متخاصمان؟! وأي طالب سيطبق ما تعلمه عن صلة الرحم، وأبوه مصارم لأخيه مقاطع لبني عمه وأقاربه؟! لا شك أنه يقلد والده في كل شئ حقاً كان أو باطلاً !!
مَشَـى الطـاووسُ يومـاً باعْـوجاجٍ……..فـقـلدَ شكـلَ مَشيتـهِ بنـوهُ
فقـالَ: عـلامَ تختـالونَ ؟ فقالـوا: ……بـدأْتَ بـه ، ونحـنُ مقلـِـدوهُ
فخـالِفْ سـيركَ المعـوجَّ واعـدلْ ……..فـــإنـا إن عـدلـْتَ معـدلـوه
أمـــــَا تـــــــــدري أبـانـا كـلُّ فــــــرع ٍ……..يجـاري بالخـُطـى مـن أدبـوه؟!
وينشَــأُ ناشـئُ الفتيــانِ منـــــــــــا……….علـى ما كـان عـوَّدَه أبـــوه
عباد الله: أختم بهذه الصورة لسلفنا الصالح وكيف كانوا قدوة لغيرهم؟!
يروى أن عبيد البصرة جاؤوا يوما إلى الحسن البصري ( شيخ الواعظين) في أول يوم من أيام رمضان وهو يعظ في مسجد البصرة، وشكوا له سوء معاملة الأسياد لهم، وتوسلوا إليه أن يخطب خطبة يحثُّ فيها على فضل عتق الرقاب، فوعدهم خيرا .
وانتظر العبيد خطبة الجمعة، ثم الجمعة التالية، ثم الثالثة من دون أن يخطب الحسن البصري كما وعدهم.
ومرَّ عام وجاء رمضان الذي يليه، وفي أول أيام رمضان إذ الحسن البصري يتكلم عن فضيلة عتق الرقاب، حثَّ الناس فيها على عتق العبيد، و لم يبق أحد ممن سمعها إلا خرج وأعتق عبيده، وبعد أن تحرر العبيد اجتمع بعضهم في بيته، وقالوا له: ما الذي أخرك عن الخطبة هذه المدة؟! قال لهم: كنت لا أملك عبداً، ولم يكن معي ما أشتري به عبدا لأعتقه، فلما رزقني الله ثمن عبد اشتريته وأعتقته حتى أكون قد طبقت الكلام على نفسي أولا، فخرج الكلام صادقاً من القلب فوصل إلى قلوب الناس.
فكم نحن نسمع ونقرأ !! هل طبقنا ذلك على أنفسنا ؟!! وهل اقتدينا به صلى الله عليه وسلم في أقوالنا وأفعالنا ؟!!
اللهم اجعلنا هداة مهديين لا ضالين ولا مضلين،،،،،،،،
الدعاء…….. وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف